سورة سبأ - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


المحسنون منهم يجازيهم بالخيرات المتصلة، والكافرون منهم يكافئهم على كفرهم بالعقوبات غيرَ منفصلة.
ويرى الذين أوتوا العلم كتابك الذي أَتَيْتَ به حَقاً وصِدْقاً. والذين كفروا قال بعضهم لبعض: إِنَّهم يرون أن هذا الذي تقول به من النشر والحساب والبعث كذبٌ، أو أَنّ بِك جِنَّةً، ثم أقام عليهم حُجة التجويز بما أجرى به سُنَّتَه في الخلق والإبداع.. فما زادهم ذلك إِلا جحوداً، وما قابلوه إلا عنوداً.


داود: اسم أعجمي، وقيل سمي داود لأنه داوى جَرْحه، وَرَدَ في القصة أنه قال في إحدى مناجاته: يا رب، إني أرى في التوارة ما أعطيتَ لأوليائك وأَنبيائك من الرتب فأعطنيها فقال: إني ابتليتهم فصبروا، فقال: إني أصبر على بلائك، فأَعْطني ما أعطيتهم، فأبلاه، فوقف، فأعطاه ما أعطاهم.
{وَلَقَدْ ءَاتينَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً}: تكلموا في هذا الفضل؛ فمنهم مَنْ أراد ما ذكره بعده وهو قوله للطير: {أَوِّبِى مَعَهُ}: وكذلك الجبال، وكان في ذلك تنفيس في وقت حُزْنِه وبكائه. وقيل ذلك الفضلُ رجوعُه إلى الله- في حال ما وقع له- بالتنصل والاعتذار. ويقال هو شهودُه موضِعَ ضرورته وأنه لا يُصْلِحُ أمرَه غيرُه. ويقال طيب صوته عند قراءة الزبور حَتى كان ليرْغبُ في متَابعته مَنْ يسمع إليه. ويقال حلاوةُ صوته في المناجاة. ويقال حُسنُ خُلقه مع أمته الذين اتبعوه، ويقال توفيقه للحكم بين أمته بالعدل...
قوله: {يَاجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ} أمرَ الجبالَ والطيرَ بمجاوبته حتى خرَجَ إلى الجبال والصحارى ينوح على نفسهِ.
ويقال أوحى الله له: يا داود، كانت تلك الزَّلَّةُ مباركةً عليك! فقال. يا رب، وكيف؟ فقال: كنتَ تجيء قبلها كما يجيء المطيعون والآن تجيء كما يجيء أهل الذنوب!
يا داود، إن أنينَ المذْنبين أحبُّ إليّ من صُراخ العابدين!
ويقال، كان داود يقول. اللهمّ لا تَغفرْ للخاطئين، غيرةً منه وصلابةً في الدين , فلما وقع له ما وقع كان يقول. اللهم اغفر للمذنبين، فعسى أن تغفرَ لداود فيما بينهم.
ويقال لمَّا تاب الله عليه، واجتمع الإنسُ والجنُّ والطير بمجلسه، وَرَفع صوتَه، وأداره في حَنَكِه على حسب ما كان من عادته تفرّقت الطيور وقَالوا. الصوتُ صوتُ داود والحال ليست تلْك! فأوحَى اللَّهُ إليه هذه وَحْشةُ الزّلة، وتلك كانت أُنسَ الطاعة.. فكان داودُ يبكي وينوح ويصيح والطير والجبالُ معه.
وَيقال ليس كلُّ مَنْ صاح وراءه معنى، فالمعنى كان مع داود لا مع الجبال والطير...
{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدَِّرْ فِى السَّرْدِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً}. ألان له الحديدَ، وجعل ذلك معجزةً له، وجعل فيه توسعةَ رزقه، ليجدَ في ذلك مكسباً، لِيَقْطَعَ طَمَعَه عن أُمته في ارتفاقه بهم ليباركَ لهم في اتِّباعِه.


أي آتينا سليمانَ الريح أي سَخّرناها له، فكانت تحمل بساطة بالغدو مسيرة شهر؛ وبالرواح مسيرةَ شهر.
وفي القصة أنه لاحظ يوماً مُلْكَه، فمال الريحُ ببساطه، فقال سليمان للريح: استو، فقالت الريح: استوِ أنت، فما دمتَ مستوياً بقلبك كنتُ مستوياً بك، فلما مِلْتَ مِلتُ.
{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}.
أي وآتيناه ذلك، فكانت الشياطينُ مُسَخَّرةً له، يعملون ما يشاء من الأشياء ذكرها سبحانه.
قوله جلّ ذكره: {اعْمَلُواْ ءَالَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ}.
أي اعملوا يا آل داود للشكر، فقوله: {شكراً} منصوب لأنه مفعول له.
ويقال شكراً؛ منصوب لأَنه مفعول به مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنين: 4].
وقد مضى طَرَفٌ من القول في الشكر. والشكور كثير الشكر، والأصل في الشكر الزيادة، والشكيرة اسم لما ينبت تحت الأشجار منها، ودابة شكور إذا أظهرت من السِّمَن فوق ما تُعْطَى من العَلَفِ؛ فالشكور الذي يشكر على النعمة فوق ما يشكر أمثالُه وأضرابُه. وإذا كان الناسُ يشكرونه على الرخاء فالشكور يشكره في البلاء.
والشاكر يشكر على الَبذْلِ، والشكور على المنع.. فكيف بالبذل؟
والشكور يشكر بقلبه ولسانه وجوارحه ومالِه، والشاكر ببعض هذه.
ويقال في {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشّكُورُ} قليلٌ مَنْ يأخذ النعمة مني ولا يحملها على الأسباب؛ فلا يشكر الوسائطَ ويشكرني. والأكثرون يأخذون النعمة من الله، ويَجِدُون الخيرَ مِنْ قِبَلهِ ثم يتقلدون المِنَّةَ من غير الله، ويشكرون غيرَ الله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8